خطابات

23 أيار/مايو 2023

منتدى المنافسة العربي الرابع

معالي السيد أحمد بن عبد الكريم الخليفي، رئيس مجلس الإدارة للهيئة العامة للمنافسة  في المملكة العربية السعودية،

معالي السيد عبد العزيز بن عبد الله الزوم، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للمنافسة في المملكة العربية السعودية،

أصحابَ المعالي والسعادة،

شركاءنا الكرام من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية،

 أحيّيكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يشرّفني أن أقف بينكم اليوم في منتدى المنافسة العربي الرابع، هذا المنتدى الذي أطلقته الإسكوا في عام 2020 بالتعاون مع الأونكتاد، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، منصةً لتبادل المعرفة والتعاون والتنسيق على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وأشكر الهيئة العامة للمنافسة في المملكة العربيّة السعودية على حسن الضيافة.

 يلحظ تقرير الأطر التشريعيّة لبيئة الأعمال في البلدان العربيّة لعام 2023 تقدّماً في السنوات الثلاث الأخيرة. فقد ارتفع مجموع النقاط الإجمالي للمنافسة من 3.6 على 7 في عام 2020 إلى 4.3 على 7 في عام 2023 بعد أن عدّلت بلدان عربيّة عدّة قوانين المنافسة فيها وحرصت على تنفيذها. ومع ذلك، لا يزال علينا تخطي بعض العوائق مثل الهياكل غير الفعالة في السوق، وتصحيح نظم الحوكمة، وإصلاح القوانين وتحسين أساليب التنفيذ.

 نجتمع اليوم ليس للتداول بشأن سياسة التنافس فحسب، بل أيضاً لإطلاق حوار يتعلّق بمستقبلنا.

نجتمع اليوم لنحدّد نوع المشهد الاقتصادي الذي نود تشكيله للأجيال القادمة، مشهدٌ يشجّع الابتكار، ويكافئ الجدارة، ويحقّق الرخاء للجميع على مسار أهداف التنمية المستدامة.

 شهدت المنطقة العربيّة خلال العقود القليلة الماضية تحوّلاً اقتصاديّاً بارزاً. فاقتصاداتنا أصبحت أكثر تنوّعاً، وأعمالنا أكثر تطوّراً وتعقيداً، وأسواقنا أكثر تكاملاً فيما بينها ومع الاقتصاد العالمي. إلّا أنّ سياساتنا التنافسيّة لم تواكب دوماً هذا التغيير مع أنّنا في عصر التغيير غير المسبوق.  

 ها نحن اليوم على مفترق: فإمّا نواصل المسار الحالي معتمدين بالحد الأدنى على سياسات المنافسة، وإمّا نتبنّى المنافسة محفّزاً للنشاط الاقتصادي والتقدّم الاجتماعي.

 منطقتنا العربيّة غنيّة، تزخر بالموارد الطبيعيّة وتزخر أيضاً بالمواهب البشريّة وبروح المبادرة.

لكن إمكاناتنا تكبّلها ممارساتٌ احتكاريّة، وحواجزُ تنظيميّة، وصعوباتٌ في وصول المشاريع الصغيرة والمتوسّطة إلى الفرص. وهذه القضيّة ليست اقتصاديّة فحسب، بل هي قضيّة عدالة اجتماعيّة.

 علينا أن نضمن أنّ سياساتنا التنافسيّة ليست مجرّد وثائق يعلوها الغبار على رفوف مكاتبنا، إنّما أدوات ديناميكيّة تمكّن روّاد الأعمال، وتحمي المستهلكين، وتحفّز النمو الاقتصادي. آن الأوان لنتّخذ موقفاً استباقيّاً في تعزيز المنافسة العادلة، وتذليل العوائق، وإنشاء بيئة تشجّع الابتكار وتسمح لجميع المشاريع، مهما كان حجمها، بالتوسّع والازدهار.

 علينا اعتماد نهج من ثلاثة مستويات. أوّلاً، نحن بحاجة إلى تحديث أطرنا التشريعيّة والتنظيميّة للتصدي للممارسات المناهضة للمنافسة، ولضمان أنّ هذه الأطر قويّة بما يكفي للتعامل مع تعقيدات الاقتصاد الرقمي المعولم.

ثانياً، نحن بحاجة إلى تدعيم آلياتنا التنفيذيّة. وكيف نستفيد من القوانين والأنظمة إذا كانت غير نافذة! علينا أن نمكّن هيئاتنا التنظيميّة وأن نوفّرّ لها ما يكفي من الموارد والاستقلاليّة لأداء مهامها بفعاليّة.

ثالثاً، نحن بحاجة إلى تشجيع ثقافة المنافسة. ولعلّ هذه المهمّة هي الأصعب مع أنها الأكثر أهمية. علينا تعليم مجتمع الأعمال، وصانعي السياسات والناس أجمعين عن فوائد المنافسة – من تشجيع الابتكار إلى تخفيض الأسعار، ومن تحسين الجودة إلى زيادة الخيارات.

 لن يكون الطريق أمامنا سهلاً، بل محفوفاً بالتحديات. لكنّ محاولاتِ مقاومة التغيير لن تثنينا. ولنتذكّر دوماً أن الهدف من سياسات المنافسة ليس معاقبة النجاح بل منع سوء استخدام السلطة.

الهدف هو التأكّد أن وراء النجاح جدارة وليس هيمنة، وابتكار وليس احتكار.

 وإذ نسلك هذه الدرب، دعونا نستفيد من حصيلة ما جمعنا من ماضينا المشترك من حكمة. تاريخ المنطقة العربيّة حافل بالتجارة والتبادل، منذ طريق الحرير القديم. أسلافنا كانوا روّاداً في التجارة والعلوم والابتكار، كيف لا وقد أدركوا قوة المنافسة، والأفكار الجديدة، والأسواق الحرّة.

فلنحمل هذا الإرث إلى القرن الواحد والعشرين. فلنشكّل سياسات للمنافسة تحمل بصمتنا الفريدة وتلبي تطلّعاتنا. فلننشئ بيئة تنافسيّة تكافئ المواهب، وتشجّع الابتكار، وتخدم الصالح العام.

 وفي هذا السياق، اسمحوا لي أن أعبّر عن حماسي الشديد للجلسة الخاصة بالشباب العربي في المنافسة. شبابنا، مستقبل منطقتنا، أعدّوا دراسات حالة عن عمليّات الدمج والاستحواذ، هي حصيلة تفكيرهم النقدي وأفكارهم الابتكاريّة.

 وفي الختام، كلّي ثقة بأن جهودنا المشتركة في هذا المنتدى ستثمر تقدّماً ملموساً في أرقام منطقتنا في مجال المنافسة، والأهمّ أنّها ستشجّع فيها الإنصاف، والازدهار الاقتصادي، والتقدّم الاجتماعي. أترقّب الأفكار والتوصيات التي ستخلص إليها مناقشاتنا، وأتطلّع إلى التقدّم الذي سنحقّقه معاً في الأشهر والسنوات المقبلة.

أشكركم جميعاً على الالتزام بهذا العمل الحيوي. معاً نمهّد الطريق إلى منطقة عربيّة مزدهرة، قادرة على المنافسة، وشاملة للجميع.

 

Related event
arrow-up icon
تقييم